تابعنا على الفيس بوك تابعنا على تويتر تابعنا على اليوتيوب تابعنا على الساوند كلاود


الرئيسية السيرة الذاتية الخطب الصوتيات المرئيات المقالات و البحوث الدورات الجامعة الصور تدبر القران الإصدارات الشهادات و الدروع المشاركات و الأنشطة

 

 
جديد الفيديو
 

 
المتواجدون الآن

 
المقالات
خطب المناسبات
الأخلاق في الحج
الأخلاق في الحج
01-06-1433 08:42 PM



الأخلاق في الحج*


الخطبة الأولى:

أما بعد:
فكثير من الحجاج يحرصون على صورة الحج، وقد يَغفلون عن جوهره وروحه، فتراهم يتزودون من كل شيء، وقد ينسون التقوى، يتعلمون الأحكام وقد يفرطون في الأخلاق.
تأملوا -معاشر المؤمنين- إلى قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾ [البقرة : 197]، وتأملوا على ماذا ترتب الأجر العظيم في قوله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ حَجَّ البيت فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" رواه البخاري.
أفلا يظهر من الآية والحديث الاهتمام العظيم بشأن الأخلاق، التي لا تنفصل في ديننا عن الأحكام، وإنما نجد هذا الانفصال واضحا في حياتنا، بل وفي تعليمنا.
تأملوا- معاشر المؤمنين- كيف ذكر سبحانه أنّ مَن ألزم نفسه بالحج، وتلبّس بهذا النسك، فعليه أن يتحلّى بهذه الأخلاق، وأن يجعلها نصب عينيه، (فلا رفث، ولا فسوق، ولا جدال في الحج)، وهكذا يتحقق خلق الصبرِ عن الشهوات، والتحكمِ في الغرائز ، في قوله تعالى: (فلا رفث)، ويتحقق خلق الطاعة لله، والالتزامِ بشرعة، وضبطِ النفس على منهاج الله، في قوله تعالى: (ولا فسوق)، ويتحقق خلق المعاملةِ الحسنة، والتواصل مع الآخرين بحب واحترام، في قوله تعالى: (ولا جدال)، فالأول خلق مع النفس، والثاني مع الخالق، والثالث مع الخلق.
وبهذا ندرك أن أول ما نُبِّه إليه الحاج هو الأخلاق، فهل يعي هذا من أراد الحج، تأملوا خلق ترك الجدال والمراء، ما حالنا معه في الحل والترحال، تذكروا كم أوغر هذا الجدال من صدور، وكم تسبب في عداوة، وإنما ذُكر الجدال على وجه الخصوص، لأنه المذموم أما الحوار والمناقشة وتبادل الرأي فليس بمذموم، ولما كان الحج مظنةً للاختلاف، وتباينَ الآراء، بسبب تنوّع الأجناس والثقافات والأهواء والرغبات ، إضافةً إلى الزحام والتعب والمشقة، جاء التوجيه الرباني بترك الجدال ﴿فِي الحَجِّ﴾، لأن كل ما ذكرناه قد يوجد بيئة دافعة للجدال المؤدي للخصام، ومما يؤكد هذه الحقيقة تكريرَ لفظ الحج بأن قال سبحانه: ﴿ولا جدال فِي الحَجِّ﴾، وكأنما الجدال أشد ذماً وأكثر ضرراً في الحج على وجه الخصوص.
ومما يتصل بهذا خطر اللسان كما في قوله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور﴾ِ وهو أعم من شهادة الزور، ومعلوم ما يترتب عليه من ذهاب الحقوق، والكذب والتدليس، وما ينتج عن ذلك من كراهية وعداوة، فليتنبّه المؤمن إلى خطورة هذا العمل، خصوصا أن الله قرنه بالرجس من الأوثان.
كما نجد الإشارة العامة إلى خلق العطاء والكرم في قوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾، فبعدما نبّه سبحانه عل ما يُسبب الفرقة، ويوغر الصدور؛ حثّ على ما يجلب المحبة والألفة، وهو فعل الخير، وجاء السياق بالتعميم ﴿ومَا تفعلوا﴾، ليعم كل صور الخير، فهل أدركتَ ذلك أيها الحاج، وعقدتَ النيّة على استثمار كل فرص الخير؛ لتقديم النفع للآخرين؟ إن لم تفعل ففكر من الآن.
معاشر الكرام، إنما أُمِرْنا بهذا العمل الجليل وهو فعل الخير؛ لكثرة أسبابه في الحج، وتنوّع طرقه فيه، ومما يعين على ذلك تذكّر أن الله يعلم ذلك فقال سبحانه: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ﴾، ثم بيّن سبحانه جِماع تلك الأخلاق، وهو التقوى، فقال: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، ومعلومٌ أنّ التقوى هي جماع الخير، هي جماع الأخلاق، أما قال سبحانه: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران: 133]، ثم ذكر أوصافهم فقال: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران: 134].
يا أيها المؤمن بربّه، هذه ساحة الحج أمامك، اجعلها مجالاً تطبيقيًّا لهذه الأخلاق الرائعة، أخلاق المتقين (الإنفاق، كظم الغيظ، العفو عن الناس، الإحسان)، جاء في الحديث الذي صححه الحاكم وحسنه الألباني، أن غلاماً لأبي بكر أضاع بعيراً فضربه أبو بكر وكانوا في طريق الحج، فابتسم النبي صلى عليه وسلم وقال: "انظروا إلى هذا المحرم ما يصنع" في توجيه لطيف إلى أن مثل هذا لا ينبغي حدوثه من متلبس بهذا النسك.
فيا أيها الفاضل، مارِس هذا الأخلاق عمليًّا، لتتعرف على حقيقة نفسك، واستشعر أنها صفاتُ أهل التقوى التي أمرك الله باستصحابها معك في رحلة الحج فقال: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾.
وهنا نلفت النظر إلى أمر لطيف، حيث جاءت هذه الآية بعد آيات الصيام، وهناك في الصيام قال تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: 183]، وهنا قال: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾، وكأن المراد أن نتعلم التقوى من خلال الصيام، فإذا جاء الحج، وهو بعد رمضان؛ نكون متلبسين بلباس التقوى، فيكون الحج ميدانها، ولذا فنحن نتزود بها كما نتزود بالطعام الشراب، وبهذا يكون ميدان اكتساب التقوى هو رمضان، وميدان تطبيقها هو الحج، فهل وعى الحاج ذلك؟.
وتأمل -أيها المؤمن بربّه- إلى تلك الإلماحة الجميلة إلى خلق رفيع عظيم الأجر في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: 199]، إنه توجيه عملي للتحلّي بخلق التواضع، للعمل ضمن الجماعة، والبعد عن أسباب التمييز المقيتة، والعنصرية المؤذية، والكبر القاتل، الذي كان يمارسه الجاهليون وهم الحُمْس من قريش، فقد جاء في الحديث المتفق عليه، أن عائشة رضي الله عنها قالت: "كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ دَانَ دِينَهَا يَقِفُونَ بِالْمُزْدَلِفَةِ ، وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ الْحُمْسَ، وَكَانَ سَائِرُ الْعَرَبِ يَقِفُونَ بِعَرَفَاتٍ ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يأتي عَرَفَاتٍ ، ثُمَّ يَقِفَ بِهَا ثُمَّ يُفِيضَ مِنْهَا ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾. لا تمييز، لا عنصرية، لا كبر، هنا في الحج الكل سواسية، الكل إخوة، اللباس واحد، والهتاف واحد، والمكان واحد، والهدف واحد.
هكذا -أيها المؤمنون- نتعلم القيم من هذه الشعائر، لا أن نجردها من هذه المبادئ الرائعة، ونجلبَ معنا العنصرية والعصبية والتمييز، ونحن في ميادين الحج وساحاته، ولتحقيق هذا المبدأ أيضًا قال سبحانه: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ [البقرة: 200]، وذلك أنّ العرب كانوا إذا قضوا مناسكهم، واستقروا بمنى، انشغلوا بمآثر آبائهم وقبائلهم وأيامهم، مما يذكر يذكّر بالقبلية والشحناء، وهذا- ولا شك- ليس مكانه، بل هنا في مكة والمشاعر المقدسة تذوب الفوارق، وتتلاشى أسباب التمييز والعنصرية، فعلى الحجّاج الكرام التحلّي بهذه الآداب العظيمة والقيم النبيلة، وعليهم أن ينشغلوا بالمفيد من ذكر الله وعمل الخيرات وخدمة الناس، ونفع الآخرين، ألا ترون إلى قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ [الحج: 28]، وقوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾، وقوله تعالى ﴿كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الحج: 36-37]، عطاء ، وإطعام، وإحسان، هكذا تتأكد هذه الأخلاق من أكثرَ من وجه، وبأكثرَ من أسلوب، فهل وعينا ذلك وطبقناه كما فعل ابن المبارك، فإنه إذا أراد الحج من بلده جمع أصحابه، وقال: "مَن يُريد منكم الحج؟ فيأخذ منهم نفقاتِهم فيضعها في صندوق ويغلقه، ثم يحملهم وينفق عليهم أوسع النفقة، ويطعمهم أطيب الطعام، ثمّ يشتري لهم من مكة ما يريدون من هدايا، ثم يرجع بهم إلى بلده، فإذا وصلوا صنع لهم طعامًا ثمّ جمعهم عليه ،ودعَا بالصندوق الّذي فيه نفقاتهم، فردَّ إلى كل واحد نفقته".
بمثل هذه الأخلاق -أيها الكرام- ندرك حقيقة الحج، وقدرته على تغيير سلوكنا ، رغم قصر مدته، بهذا نحوِّل هذه الرحلة العظيمة إلى مجال تطبيقي لكثير من الأخلاق، بهذا نعدل بعض أخطائنا، بهذا نصل إلى روح الحج، ونشعر بتأثيره.

اللهم سهّل للحجّاج حجّهم، واحفظ لهم صحتهم وأمنهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

_______________________________________

الخطبة الثانية:

أما بعد:
فبعدما رأينا هذه الإشاراتِ المهمة إلى تلك المبادئ الرائعة المبنية على الإحسان والعطاء، والتواضع والتقارب، والعفو والصفح، والبعد عن كل مثيرٍ للفتنة والتعصّب والشحناء، لا يفوتنا ونحن نتحدث عن هذه المبادئ النبيلة أن نشير إلى ما حدث في بلادنا مؤخراً من هذه الاعتداءات السافرة على جنوب البلاد، ممن يسمى بالحوثيين ومن يقف وراءهم ويدفعهم، ونحن نحمد الله على أن الفتنة وئدت في مهدها، وأنّ المعتدِين لقوا ما يستحقون، وأنّ الله دفع عنا شرهم، ونُشيد بما يبذله المقاتلون على الثغور من تضحية وفداء، وصبر ومصابرة، نسأل الله أن يعينهم، وأن يسدد رميهم ورأيهم.
ونحن مع هذا كله؛ لابد أن نبين أنّ ما حصل يكشف عن سوء النية، وخبث الطوية من هذه الفئة، التي استحلت القتال في الأشهر الحرم، واستباحت الدماء المعصومة، وخلخلت أمن البلاد، وتعدت على دور العبادة، وتسببت في ترويع الآمنين.
إنّ كل ذلك من عظائم الأمور، وهو ضد مقاصد الدّين، وقد رأينا كيف أنّ هذا الحج في مدرسته الكبرى؛ يسعى لِلَمِّ الشمل، والبعدِ عن أسباب الشحناء، ورأينا من قبل كيف كان الأمن هو أظهر ما يذكر مع الحج، فدل كل ذلك أنّ مجاهدة هؤلاء والتصدي لهم قربة إلى الله، لأنه يحقق مقاصد الشرع الكبرى، التي بها يأمن الناس في حياتهم وأموالهم وأعراضهم.

نسأل الله أن يكفينا شر الأشرار، وكيد الفجار، وأن يديم علينا أمننا وأماننا، وأن يثبت أقدام جنودنا وينصرهم في ثغورهم ومواقعهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
عباد الله، صلوا وسلموا على رسول الله، كما أمركم بذلك الله فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].

______________________
* خطبة ألقيت بجامع البازعي، في 25/11/1430هـ.

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 2462



خدمات المحتوى


تقييم
1.50/10 (13 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

Copyright © 1445 alatwi.net - All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.

الرئيسية |الصور |المقالات |الأخبار |الفيديو |الصوتيات |راسلنا | للأعلى

لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس

 لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس